Description
رفع ستيفن ياقة معطفه بينما كان يسير بنشاط على رصيف محطة القطار، وفوق رأسه تجمع ضباب معتم غطى المحطة بأكملها، وكانت محركات القطارات الضخمة تهدر بصوت عالٍ مطلقة سحبًا كثيفة من الدخان في الهواء البارد، وقد كان كل شيء متسخًا ويغطيه الدخان.
فكر ستيفن باشمئزاز: “يا له من بلد قذر – يا لها من مدينة قذرة”.
كان انطباعه الأول عن لندن بمتاجرها ومطاعمها ونسائها الأنيقات الجذابات قد تلاشى، فقد أصبح يراها كأنها وحيد قرن متوهج يعيش في بيئة قذرة.
آه لو عاد إلى جنوب إفريقيا الآن… وسرعان ما انتابه شعور جارف بالحنين للوطن، حيث توجد الشمس المشرقة والسماء الصافية والحدائق الغنّاء والزهور الزرقاء وشجيرات نبات الرصاصية الاستوائي ونباتات اللبلاب الزرقاء التي تتدلى من فوق المنازل الريفية الصغيرة.
أما هنا، فلا يوجد سوى التراب والسخام وعدد لا نهائي من الناس المسببين للزحام – يتحركون بسرعة متدافعين كما لو كانوا نملًا يعدو بجدية في خليته.
فكر ستيفن للحظة: “أتمنى لو أنني لم أحضر …”.
ثم تذكر سبب حضوره، فزم شفتيه في تجهم. لا، سيستمر، لقد خطط للأمر طوال سنوات، وكان ينوي دائمًا أن يفعل – ما سيفعله. نعم، سيستمر.
وفجأة شعر بالتردد للحظة وسأل نفسه: “لماذا؟ هل الأمر يستحق؟ لِمَ أتشبث بالماضي؟ لِمَ لا أمحو الأمر برمته من عقلي؟”. كان كل هذا من منطلق ضعفه. إنه ليس صبيًّا صغيرًا حتى يتغير رأيه طبقًا للنزوات اللحظية، بل إنه رجل قوي وذو هدف، وسوف يستمر في الأمر حتى النهاية، وسيفعل ما حضر إلى إنجلترا لفعله.
ركب ستيفن القطار وسار عبر رواقه باحثًا عن مقعد خالٍ ليجلس فيه، وأخذ من الحمال حقيبته الجلدية وسار وهو يحملها ناظرًا داخل كل عربة، ولكن القطار كان ممتلئًا عن آخره. كان اليوم يسبق مطلع العام الجديد بثلاثة أيام، ولقد نظر ستيفن إلى عربات القطار الممتلئة بنفور.